Translate

السبت، 14 فبراير 2015

الغنوشي يعد واشنطن بقاعدة عسكرية ومكتب اتصال مع إسرائيل

عن "ميدل إيست أون لاين"

رفض الرئيس التونسي الباجي قائدالسبسي إقامة قاعدة عسكرية أميركية ومكتب اتصال إسرائيلي في تونس وهو ما تعهد به رئيس حركة النهضة الإخوانية راشد الغنوشي لواشنطن عام 2012 بعد عام على وصول الحركة إلى الحكم إثر فوزها في انتخابات 2011.
واعتبر السبسي "تعهد" الغنوشي "تهديدا مباشرا وخطيرا للأمن القومي التونسي" وسلوكا يضرب في العمق مفهوم سيادة الدولة واستقلالية القرار السياسي.
وقالت مصادر سياسية إن "قائدالسبسي رفض رفضا مطلقا عرضا تقدمت به واشنطن يقضي بإقامة قاعدة عسكرية أميركية في بلدة رمادة التابعة لمحافظة مدنين أقصى الجنوب التونسي والمتاخمة للمثلث الصحراوي الذي تتخذ منه الجماعات الإرهابية وخاصة تنظيم القاعدة معقلا لها، وكذلك عرضا بفتح مكتب اتصال إسرائيلي في تونس".
وكشفت نفس المصادر التي رفضت الإفصاح عن هويتها أن "السيناتور الأميركي الجمهوري جون ماكين الذي أدى زيارة مفاجئة لتونس الأسبوع الماضي عرض على قائدالسبسي خلال لقائه به يوم الجمعة 6 فبراير/شباط رغبة الولايات المتحدة الأميركية في إقامة قاعدة عسكرية في الجنوب التونسي تتولى مساعدة بلدان المنطقة، أي تونس والجزائر وليبيا، على مكافحة الجماعات الإرهابية، مبررا طلبه بأن تلك البلدان عاجزة لوحدها على القضاء على الإرهاب خاصة في ظل تداعيات الحرب في ليبيا وما باتت تمثله كل من ميليشيات "فجر ليبيا" و"تنظيم الدولة الإسلامية" من مخاطر على استقرار بلدان المنطقة".
وأضافت المصادر "أن قائدالسبسي رفض طلب جون ماكين"، معتبرا ذلك "تدخلا سافرا في الشؤون الداخلية التونسية، وتهديدا مباشرا وخطيرا للأمن القومي التونسي من شأنه أن يضرب في العمق مفهوم سيادة الدولة واستقلالية قرارها السياسي".
ولم تخف نفس المصادر أن "السيناتور ماكين تفاجأ برفض قائدالسبسي". وأرجعت ذلك إلى أنه "استغرب كيف يرفض رجل بورقيبة العلماني العرض الأميركي في حين رحب به بل تعهد به راشد الغنوشي الإخواني".
وأعاد رفض الرئيس التونسي الذي يؤمن بهيبة الدولة وحرمة سيادتها الترابية واستقلالية قرارها بعيدا عن كل أشكال التدخل الأجنبي إلى الأذهان موقفا مماثلا اتخذه الزعيم الحبيب بورقيبة مؤسس دولة الاستقلال حين قال للسفير الأميركي بتونس عام 1982 الذي طلب منه إقامة قاعدة عسكرية "مياه البحر الأبيض المتوسط واسعة وعميقة تتسع للأسطول السادس وأيضا لقاعدة عسكرية أما تونس التي تتمسك بعلاقات جيدة معكم فهي بلد صغير ولكنها ترفض أي تدخل في شؤونها الداخلية من قبل أي دولة كانت حتى وإن تعلق الأمر بأميركا".
وعلى الرغم من أن بورقيبة كان حريصا على "علاقات صداقة جيدة" مع الولايات المتحدة حتى أنه دخل في خلاف مع العقيد القذافي عام 1972 لما تهجم على الإدارة الأميركية خلال زيارة لتونس إلا أنه كان أشد حرصا على ألا تكون "الصداقة" منفذا لانتهاك سيادة تونس.
ويحسب للزعيم التاريخي أنه "انتفض" على الولايات المتحدة عام 1985 إثر غارة شنها الطيران الحربي الإسرائيلي على مقرات منظمة التحرير الفلسطينية بمدينة حمام الشط في الضاحية الجنوبية لتونس العاصمة ورأى فيها بورقيبة طعنة من الخلف من الأميركيين له شخصيا فاستدعى السفير الأميركي آنداك مايكل جيرالد فيرستين وهدده بالطرد وقطع العلاقات الدبلوماسية إذا استعملت أميركا حق النقض ضد مشروع قانون عربي يدين إسرائيل داخل الأمم المتحدة، وقد رضخت الولايات المتحدة لطلب بورقيبة.

موقف وطني لقائدالسبسي
ويعكس رفض قائدالسبسي موقفا سياسيا عاما سواء لدى الأحزاب الوطنية والديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني أو لدى التونسيين الدين يرون في القواعد العسكرية الأميركية "بؤر" ميدانية تستخدمها الولايات المتحدة الأميركية لتدمير البلدان العربية وإجهاض أي تجربة ناجحة ومزيد بسط نفوذها وغطرستها على المنطقة في إطار مخطط قديم جديد يهدف إلى خلط الأوراق الإقليمية والدولية خدمة لمصالحها الحيوية.
وكانت تقارير سياسية واستخباراتية أكدت أن راشد الغنوشي "تعهد" لواشنطن عام 2012 لما كان يوصف بأنه "الحاكم الفعلي في تونس" بعد احتكار النهضة للحكم، بالموافقة على إقامة قاعدة عسكرية تتولى الرصد والمراقبة وملاحقة الجماعات الإرهابية في المثلث الصحراوي أقصى جنوب البلاد على أن تتحول لاحقا إلى مركز القيادة المركزية لقوة "الافريكوم" بشمال إفريقيا.
وابلغ الطلب الأميركي أنداك جون ماكين الذي يوصف بأنه "عراب جماعات الإخوان" إلى كل من راشد الغنوشي وحمادي الجبالي حين كان يشغل منصب رئيس حكومة الترويكا بقيادة النهضة، وقد وافقا على كل الترتيبات المتعلقة بهذا التواجد والتعاون الأميركي مع تونس، مقابل دعم واشنطن للنهضة في الحكم من خلال مساعدات مالية عاجلة في شكل هبات، وذهب الأميركيون إلى حد جعل تونس في صدارة الدول التي تحظى بالأولوية في مجال المساعدات.
ولعبت الولايات المتحدة دورا كبيرا في دعم وصول حركة النهضة إلى الحكم عام 2011 حيث جندت خبراء في مجال الاتصال السياسي والتنظيم لتمكينها من الفوز في انتخابات المجلس التأسيسي، بتمويل قطري سخي، وسط استنكار القوى الديمقراطية التي صدمت في العمق بخطورة ذلك الدعم.
وخلال عام 2012 كشفت تقارير استخباراتية عن وجود عسكري واستخباراتي أميركيي على التراب التونسي حيث عملت قوات من المار ينز جنبا إلى جنب مع جنود تونسيين مدة أشهر، وأشرفوا على إعداد "شبه قاعدة عسكرية أميركية تونسية مشتركة" تقوم برصد ما يحدث في الأراضي التونسية من مراقبة حركة الأشخاص والمركبات بالشوارع والطرق الرئيسية في المحافظات خاصة الجنوبية منها.
ويصف الدبلوماسيون العرب والأجانب عام 2012 بأنه "شهر العسل" بين النهضة وواشنطن حيث أدى رئيس حكومة النهضة أنداك حمادي الجبالي زيارة إلى واشنطن في شهر مايو بدعوة من الكونغرس حظي خلالها باستقبال شبه رسمي والتقى خلالها بأكبر مسؤولي البيت الأبيض وصناع القرار مثل كل من جون ماكين وجو ليبرمان المعروفان بكونهما أكبر المدافعين عن المصالح الإسرائيلية، وطاقم وزير الخارجية الحالي جون كيري.

موافقة مبدئية على التطبيع
وجندت وسائل الإعلام الأميركية حملة دعائية غير مسبوقة، روجت لصورة حركة النهضة على أنها تمثل الإسلام السياسي المعتدل، فيما كان راشد الغنوشي يطمئن الأميركيين "بأنه ضد تطبيق الشريعة ومع نظام دولة مدنية".
وتقول تقارير استخباراتية إن جون ماكين اقترح عام 2011 على الرئيس أوباما الاستثمار فعليا في علاقات واشنطن الجيدة مع حركة النهضة وذلك في أعقاب تردي الأوضاع الأمنية بليبيا، إثر سقوط نظام العقيد القدافي ودخول الميليشيات الإسلامية المسلحة طرابلس وذلك من خلال إقامة قاعدة عسكرية في الجنوب الغربي لتونس، لمراقبة الوضع في ليبيا، على أن تتوسع علاقات التعاون والتنسيق الأمني والعسكري لتتحول لاحقا إلى مركز القيادة المركزية لقوة "الافريكوم"بشمال إفريقيا.
وخلال فترة حكم النهضة كانت لقاءات الأميركيين مع راشد الغنوشي لا تخلو من "النصائح الودية" للتونسيين، بضرورة تحسين علاقاتهم مع إسرائيل وفتح قنوات اتصال مع تل أبيب، تتكفل دولة قطر بتحضير الأرضية لها وقادت النصائح الأميركية والقطرية براشد الغنوشي إلى "إعلان" موقف غريب يضرب في العمق قضية العرب الأولى يقول بأن "لا مشكلة لحركة النهضة مع إسرائيل"، الأمر الذي رأى فيه الدبلوماسيون والخبراء في العلاقات الدولية "موافقة ضمنية و"مبدئية" على تطبيع العلاقة مع إسرائيل، وتأكدت تلك "الموافقة" مع تمسك راشد الغنوشي شخصيا على أن لا ينص الدستور الجديد على تجريم التطبيع مع إسرائيل ما أثار غضب الأحزاب السياسية التي طالبت بإدراج مادة في الدستور تجرم التطبيع مع إسرائيل.
كما سبق للغنوشي أن صرح لمجلة "ويكلي ستاندارد الأميركية بأن الدستور الجديد لن يتضمن "أية مواد تدين إسرائيل".
ووجه الغنوشي عدة رسائل إلى إسرائيل مطمئنا بأنه مستعد لفتح قنوات تواصل مع تل أبيب حيث انتهز مشاركته في منتدى دافوس العالمي في يناير/كانون الثاني 2012 ليدلي بتصريح لإذاعة "صوت إسرائيل".
وأثار التصريح استياء حركة حماس التي لا تعترف بإسرائيل وترفض التطبيع معها وتربطها في المقابل علاقات وثيقة مع حركة النهضة.
وخلال محاضرة ألقاها الغنوشي بواشنطن في ديسمبر/كانون الأول 2011 في مركز سياسات الشرق الأدنى المعروف بأنه العقل الفكري للمحافظين الأميركيين والمتعصبين لإسرائيل، تجنب أي إشارة معادية للدولة العبرية.
ولم يتردد الغنوشي في تعيين خميس الجيناوي الذي شغل منصب مدير مكتب تونس في تل أبيب من 1996 إلى 2000 مساعدا لوزير الخارجية وصهره رفيق عبد السلام في حكومة النهضة.

التعليق
في كل يوم نتكشّف على حقائق جديدة ويمكّننا العلم الحديث بما يحتويه من ثورة للمعلومات وحرية للفرد في الإفصاح عمّا يعرفه والتعبير بكل حرية عمّا يفكّر به.
أعتقد بأن زمن التدليس على الناس كان بالفعل قد ولّى وإلى غير رجعة، وأنّ ذلك الزمن الذي كانت تنتقى فيه المعلومات ويتم فيه التحجير على مالا يرغبه السلطان أو من يسيرون في نهجه قد إنتهى.
لقد كذب علينا المتظاهرون بالتديّن، وهيمن على طريقة تفكيرنا أولئك المتستّرون بتلابيب التديّن ومظاهر الخشوع. ظلّوا ولقرون من الزمن يستغلّون سذاجتنا ويعملون على فرض أنفسهم علينا بحجّة أنّهم "أهل الذكر" وبأنّهم "العلماء" وبأنّهم "ظلال الله في الأرض". لقد إنتهى ذلك الزمان، وتأتّى لنا عموم البشر اليوم بأن نخرج عن صمتنا وبأن نجاهر بكلمة الحق التي أصبحت متيسّرة أمامنا ومتوفّرة لدينا نجدها حيثما بحثنا عنها.
لقد إنتهى بالفعل زمن التحجير على الكلمة، والسيطرة على المعلومة بهدف تجييرها لتخدم مصالح رجال الدين ومصالح أولئك الحكّام الطغاة الذين يحمونهم في مقابل التستّرعلى أفعالهم المشينة تحت خيمة "ولي الأمر" الذي يحرّم رجال الدين عندنا الخروج عليه أو مناقشته أو الإعتراض على طريقة تفكيره.... فما بالك بمساءلته أو محاكمته.
القصّة المذكروة أعلاه تبيّن بكل جلاء بأن رجال الدين لا يصلحون إطلاقاً لحكم الدول، ولا يفلحون في كل ما يتعلّق بسيادة الوطن أو أمن المواطن. لقد بيّنت لنا هذه القصّة مقدار الفجوة بين رجل الدين ورجل الدولة، فالأوّل مستعد للتآمر على الوطن وعلى المواطن في سبيل بلوغ الغاية، أمّا الثاني فهو رغم عدم تشدّقه بالتديّن إلاّ أنّه يحمل مبادئ وأهدافاً إنسانيّة نبيلة لا يفرّط فيها حتى وإن كلّفته تلك المواقف كرسي الحكم. يبيّن لنا هذا المثال مقدرة الرجل الوطني (العلماني) على القيادة كرجل دولة، في حين إنكشف رجل الدين بغياب الحيلة والتدبّر لديه وكذلك إنكشف رجل الدين أمامنا بضعفه وعدم مقدرته على صيانة أمن وسيادة الوطن الذي ينتمي إليه.   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق