Translate

الجمعة، 29 مايو 2015

نفحات جمعاويّة

 ذهبت هذا اليوم لصلاة الجمعة، وكان إختياري لجامع الصوماليّين.
نعم... هذا الجامع قام رجال الأعمال والمهاجرون الصوماليّون بتجميع المال اللازم لبنائه منذ حوالي أربعة سنوات، وبالفعل تمكّنوا بمجهوداتهم الذاتيّة من إستكمال هذا الجامع الكبير، وأصبح اليوم ملتقاً لكل المهاجرين العرب والأفارقة؛ حيث يمتلئ الجامع إلى حافة الأبواب رغم تراصّ المصلّين بشكل كبير جداً لترك بعض الحيّز لمن يأتي فيما بعد.
الجامع يشهد إقبالاً كبيراً لأن خطيبه إنسان متفتّح ومتواضع، والواضح أنّه ينتمي إلى التيار الوسطي (مالكي على ما يبدو). قطعاً هو لا ينتمي إلى التيّار الوهابي الشوفيني حكماً بالطريقة التي يخطب بها وبالروح الإنسانيّة التي يتفاعل بها حينما يتناول قضايا معاصرة تلمس حياة كل مهاجر وكل مغترب، وبذلك ربّما يجد فيه الكثير من المهاجرين بيتاً يشعرهم بالحب والحنان ويذكّرهم ببلادهم التي تركوها وتركوا فيها ذكريات طفولاتهم.
من خلال طبيعتي التي نمت معي منذ الصغر، فأنا لا أستمع فقط، بل إنّني دائماً (آليّاً) أجد نفسي أشرع في تحليل وتدبّر كل ما أسمع قبل أن أسمح لما أسمع بالعبور نحو مراكز التخزين والقناعة والإعتبار في الدماغ. تلك هي عادة جبلت عليها وقد تكون مقلقة في بعض الأحيان، لكنّني بصدق أفتخر بها. فأنا بحمد الله لا أقتنع بما أسمع قبل أن أقنع نفسي بجدواه وبمصداقيّته وبعقلانيّته أيضاً.
المهم في الأمر أنّني جلست في ركن صغير عثرت عليه ببعض المشقّة مع أنّني ذهبت إلى المسجد مبكّراً نسبيّاً حكما بتلك الأعداد التي وصلت بعدي وأخذت تتراصّ بشكل ملفت للنظر كي تجد لها أماكن للجلوس عليها. 
بدأ الإمام في إلقاء خطبته الأولى، وتحدّث فيها كثيراً حتى كاد أن يتجاوز النصف ساعة، وكان  قد حاول تعرية أولئك الذين يتسابقون إلى المساجد للصلاة وتجدهم كما قال يأتون مبكّراً للجلوس في مقدّمة المصلّين وهم وللأسف كما قال "تمتلئ قلوبهم بالحقد على الغير"، فذكّرهم بأنّه الأولى بهم أن ينظّفوا قلوبهم من الحقد والكراهية قبل مجيئهم إلى الجوامع، فالعبادة كما قال هذا الشيخ المتفتّح ليست هي بالتسابق إلى المساجد وليست هي بالجلوس في الصفوف الأولى، وليست هي بالركوع والسجود؛ وإنّما هي بتنقية الذات من الشوائب وتلك هي مهمّة أصعب من المجئ إلى الجامع للصلاة.
في هذه الأثناء لاحظت الكثير ممّن يدخلون الجامع في وسط الخطبة فيشرعوا في تأدية "تحيّة المسجد" بدون أن يفكّروا أو يتدبّروا، فهم يقيناً لا يعرفون بأن تحية المسجد تلتغي حينما يكون الخطيب واقفاً في المحراب يلقي خطبة الجمعة. هنا قلت في نفسي... لو أنّ رجال الدين عندنا تفرّغوا لتعليم أمثال هؤلاء أداب دينهم وأرشدوهم إلى الطريقة الصحيحة لتأدية مناسك شعائرهم بدل تضييع الوقت والجهد في مجالات لا يفقه فيها شيئاً رجال الدين هؤلاء مثل السياسة والإقتصاد والبيولوجيا والإنجاب والتكاثر والجينات والأمراض والعلاج وما إليها، ولو فعل أولئك الشيوخ ذلك لكان المسلمون بالفعل صلحوا ولأصبحوا أحسن حالاً بكثير عمّا هم عليه.
بعد ذلك وبينما أنا أستمع إلى قصّة واقعيّة كان يحكيها الخطيب عن زيارته للنرويج حديثاً للقيام بحملة تبرّع لبناء مسجد في إحدى المدن النائية هناك، وبينما هو يتحدّث عن التآخي والمحبّة بين المسلمين هناك قال بأن شخصاً "ليبيّاً" هناك وقف أمامه وقال له بأن المسلمين كل يؤمن بمذهب أو ينتمي إلى شيعة مختلفة عن الآخر وبذلك فتوجّب أن يذهب كل منهم للصلاة في جامعه أو جامع جماعته. قال الشيخ... لم يعجبني مثل ذلك الكلام، فنحن المسلمون علينا نبذ الخلافات بيننا وعدم البحث عمّا يفرّقنا. وواصل الخطيب الحديث عن كمّيات المال التي جمعوها وكيف أنّهم.... في هذه الأثناء سمعت ضوضاء وهرج وصياح ولعب وضحك قوي جداً كان مصدره قاعة النساء التي كانت بجنبنا ولا يفصلنا عنها سواء حجاب موضوع لهذا الغرض وكان عبارة عن جدار من البلاستيك المعتم. كانت الأصوات الآتية من أولئك الأطفال مزعجة جداً ومنعتني بالفعل من الإستماع إلى بقية القصة التي كانت تستحوذ على إهتمامي، وهنا قلت في نفسي: كم نحن المسلمون متخلّفون في كل شئ بما في ذلك Common Sense ، فكيف بأم تسمح لإبنها أو إبنتها باللعب داخل الجامع بينما الخطيب يلقي خطبته. أليس من مهام المستمع للخطبة أن يستمع إليها ويتدبّر ما يذكر فيها بهدف التعلّم والإسترشاد وفهم أشياء جديدة عن دينه وعن طريقة تعبّده؟. ثمّ.. ألم يتوجّب على تلك النسوة أن يعرفن بأن الجامع هو ملئ بالبشر وجلّهم إنّما جاءوا إلى الجامع بهدف الخشوع إلى الله والإنصات لخطبة الجمعة. أنتظرت قليلاً وصبرت على مضض، ثمّ طلبت بكل تأدّب أن يتم إسكات الأطفال وفوراً خفتت الأصوات فإستغربت... لماذا لا يفهم هؤلاء البشر الأصول ذاتيّاً؟. لماذا يوجد بيننا من ينتظر الوخز لكي يعرف ماذا يتوجّب عليه أن يفعل؟.

وعودة إلى الشيخ في خطبته الثانية... قال من بين ما قاله >> شهر شعبان من الأشهر الفاضلة التي كان يحرص الرسول صلى الله عليه وسلم فيها على الصيام. قالت عائشة رضي الله عنها : (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إستكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان، وما رأيته في شهر أكثر منه صياما من شعبان)....<<. 
وإستطرد الخطيب قائلاُ: >>وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال : قلت يا رسول الله : لم أرك تصوم في شهر من الشهور ما تصوم في شعبان، قال: (ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر تـُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين... فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم) ....<< إنتهى النقل.
هنا قلت في نفسي... رسول الله عليه السلام هو من أرشدنا إلى الصيام في رجب والإكثار من الصلاة فيه، وهو من أمرنا عن طريق القرآن بصيام وقيام رمضان، فكيف به يلومنا على الإنشغال عن شعبان بسبب إهتمامنا برجب ورمضان؟.
وواصل الخطيب قائلاً:  >> فقد روى أبو داود والنسائي وإبن خزيمة من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت: يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم في شعبان؟ قال: ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم. والحديث حسنه الألباني. وقال الشيخ مستطرداً بخصوص فضائل شعبان: إن الأعمال ترفع إلى الله عن طريق الملائكة في شعبان، لكنّها "تعرض" عليه في بقيّة أشهر السنة عن طريق الملائكة<<.... إنتهى النقل.
وهنا أيضاً قلت في نفسي: عن ماذا يتحدّث هذا الشيخ؟. ترفع الأعمال إلى الله، وتعرض الأعمال على الله... ألسنا نحن نخلط هنا في فهم أصول ديننا؟. هل يحتاج الله إلى الملائكة لأن تعرض عليه أو تنقل إليه أعمال البشر، وهو يعلم كل صغيرة وكبيرة ولو كانت دبيب نملة في جبل ما أو على صخرة ما في هذا الكون؟. قلت في نفسي: كيف يتعلّم هؤلاء البشر، ومن أين ينهلون أصول دينهم، وكيف هم يفهمون الدين؟.
كان هناك الكثير ممّا سمعته في هاتين الخطبتين من ضمنها أن الله في ليلة القدر يغفر للمسلم المقيم لها كل ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر... فقلت في نفسي: وكيف يقول ربّنا في كتابه العزيز بأن كل إنسان سوف يحاسب يوم القيامة على كل ما فعل، وبأنّ كل إنسان سوف ينال عقاب سيئاته وينال جزاء حسناته، فهل ذاك الذي يغفر له الله ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر سوف لن يحاسبه الله؟. بالمنطق: لماذا يحاسبه الله إن كانت كل ذنوبه قد غفرت؟.
 وقرأ الشيخ آية من سورة القدر: {الْقَدْرِلَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} وهو نسبها إلى كم المغفرة الذي يحصل عليه من يقيم تلك الليلة، لكنّني حينما حسبتها حينها وجدت بأن ليلة القدر تعادل 83 سنة و4 أشهر، وهو ما يمثّل كل عمر الإنسان في أحسن الأحوال !... فهل يعني هذا أن من يشهد ليلة القدر ويقيمها بكاملها حى مطلع الفجر يغفر له كل ما إقترفه طيلة عمره؟. قلت رادّاً على نفسي: لا يمكن أن يكون ذلك هو المعنى المقصود. فربّنا قال: هي خير من ألف شهر، لكنّه لم يقل لنا في ماذا هي خير من ألف شهر؟!. 
علينا أن نقرأ الآية ونعمل على فهم مقصدها عند الله بقدر ما نستطيع، مع أنّنا لا نعلم تأويل كلام لله كما قالها لنا واضحة وصريحة في قرآنه العزيز:{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ}.. صدق الله العظيم.
كان هناك الكثير ممّا قاله الشيخ في هذا اليوم، وكان هناك الكثير ممّا فكّرت فيه حينها؛ لكنّني أكتفي بهذا القدر فقد أثقلت عليكم من طول هذا الإدراج... فأعذروني لأننّي عندما أشرع في الكتابة لا أستطيع التوقّف بسهولة!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق