Translate

الاثنين، 15 يناير 2018

"السٌنّة" .... ما هي السٌنّة؟

السٌنّة هي أن ترى مالا يراه المحيطون بك وأن تفعل غير ما يفعلون لإعتقاد راسخ تعتقد أنت فيه ولا يستطيع غيرك أن يعتقده لأنّك قد ترى ما لم يتمكّن غيرك من رؤيته. 
السنّة هي أن تخالف المتعارف عليه والمتداول حولك ولو كلّفك ذلك حياتك، لأنّك ترى أن الذي يمارسه غيرك هو ليس صحيحاً أو معقولاً أو متماشياً مع زمانك الذي تعيش فيه. قال النبي محمّد عليه السلام لعمّه أبو طالب حينما طلب منه الإقلاع عمّا سنّه لنفسه وآمن به: والله يا عم، لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه.
إن الطبيب الذي يخالف المتوارث وينتهج مسلكاً جديداً - في مهنته لمعالجة مرضاه - يستند إلى آخر ما توصّل إليه العلم، إنّما هو بذلك يستنّ لنفسه سنّة جديدة ويطلب من الغير إتباعها. عندها يعتبر ذلك الطبيب مبتكراً وناجحاً ومحبوبا ومحترماً من قبل زملائه ومرضاه وكل المحيطين به. 
إن المدرّس الذي يبتكر أفكاراً جديدة في التعليم ويسنّها في مهنته، إنّما يعتبر بذلك مدرّساً ناجحاً وفريداً ينال إحترام وإعجاب الناس. 
إن كل من يرضى بما يدور ويمارس حوله، ويفعل ما يفعله غيره... إن ذلك الشخص يعتبر في عداد من لايقدرون على التغيير ولا يمتلكون الموهبة أو الرؤية أو الشجاعة لإحداث التغيير.
في مسيرة حياته عليه السلام، إختار النبي أن يفعل ما كان يفعله قومه وما كان يتعامل به محيطه ما عدا الممارسات التي خالفت إعتقاده، وبذلك فهو لم يسن سنناً جديدة في كل شئ وجد عليه قومه بل إنّه إرتأى أن يستمر في ممارسته كما كان قومه يفعلون حتى لا يشذّ عنهم في كلّ شئ فينال بذلك سخطهم وكراهيتهم له. فقد كان النبي يترك شعر لحيته ويترك شعر رأسه، وكان يأكل ممّا وجد في بيئته من أكل.... وكان يأكل تمر العجّة كما قالوا لنا، ولكن لو أن الرسول وجد في المدينة حينها تمر الدقلة الجزائري أو التونسي لكان أكل تمر الدقلة. الرسول ما هو إلّا بشر، وحينما يتعامل مع غيره ومع بيئته ومع محيطه فإن ذلك يدل فقط على أنّه كان بشراً مثلهم وعلى أن الله لم يرد منه بأن يكون ملكاً أو أن يحظى بأشياء لم تكن متوفّرة لديهم. 
أن تفعل ما تجد الناس عليه تلك هي ليست "سنّة" على الإطلاق، بل هي تعتبر "عرفاً" لا يلزمنا في شئ ولا علاقة لنا به لأن الزمان والمكان تجاوزاه. من الناحية الأخرى، فإنّ الرسول عليه السلام كما نعرف يقيناً لم يركب السيّارة، ولم يركب الطائرة، ولم يستخدم الهواتف النقّالة، ولم يستخدم الإنترنت في إتصالاته ولم يستخدم حتى البريد في مراسلاته.... فلماذا يا تجّار الدين تستخدمون تلك الأشياء مخالفة ل"سنّة الرسول"؟!. الرسول لم يكن حينها يتفرّج على التلفزيون ولم يتحدّث إلى الناس عبر التلفزيون،ولم يستمع إلى الموسيقى ولم يذهب إلى السينما ولم يجلس في المسارح.... لأنّها لم تكن موجودة في زمانه ولم تكن موجودة في مكانه. حينما يفعل الرسول ما وجد قومه يفعلون فإنّه بذلك يواكب الموجود ولا يمكن إعتبار ما كان يفعله سنّة على الإطلاق. لو أن الرسول قرّر عدم أكل التمر أو عدم إستخدام الناقة في التنقّل، أو أنّه حلق شعر ذقنه أو أنّه لم يطف بالكعبة أو أنّه فعل أي شئ مغاير لما كان قومه يفعلون، لكنّا قلنا إن النبي عليه السلام كان قد سنّ سنّة جديدة خالف فيها قومه وبذلك فعلينا إتباعها. فعل سيدنا إبراهيم ذلك ووضع في النار حتى كاد أن يحرق فيها بسبب مخالفته لقومه.... تلك كانت سنّة يمكن الإقتداء بها. السنّة هي أن تخالف الموجود لأسباب مقنعة وتصر على ذلك طول عمرك وتستميت في سبيله.... تلك تعتبر سنّة، أمّا غيرها فهو لا يعدو كونه مجاراة للواقع.
قال المفكّر العربي الدكتور مصطفى محمود رحمه الله: إن النبي عليه الصلاة والسلام كان يأكل بأصابعه وكان يقضي الحاجة في الخلاء وكان يركب البغلة في تنقلاته وكذلك كان يفعل أهل ذلك الزمان مسلمين وكفرة فقد كان ذلك هو العرف,تقليد النبي في هذه الأشياء ليس من السنة,إنما السنه في ان تقلده فيما انفرد به وتميز,وقد تميز نبينا بمكارم الأخلاق فقال له ربه"وإنك لعلى خلق عظيم"لم يمتدح ربنا لباسه ولكنه امتدح خلقه,وهنا مناط الأسوة والتقليد وجوهر السنة ان نقلد النبي في أمانته وفي صدقه وفي كرمه وفي شجاعته وفي حلمه وفي ثباته على الحق وفي حبه للعدل وكراهيته للظلم,اما ان نترك كل هذا ونقيم الدنيا ونقعدها على تقصير الثوب, ويقول الواحد منا: أقلد ولا أفكر....فأقول له بل تفكر، فالتفكير في الاسلام أكثر من سنة..التفكير فرض ويصف القرآن وخاصة المؤمنين بأنهم"يتفكرون في خلق السماوات والأرض"وأنهم يتدبرون القرآن وانهم ينظرون في كل شيء... في اختلاف اللي والنهار وفي الإبل كيف خُلقت وفي السماء كيف رُفعت وفي الأرض كيف سطحت وفي الجبال كيف نصبت وهم ينظرون في انفسهم كيف خُلِقوا ومم خُلِقوا؟. وإذا جاء ذكر الثياب في القرآن فيقول ربنا "وثيابك فطهر"، فالنظافة كانت نقطة لفت النظر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق