Translate

السبت، 3 فبراير 2018

أكاديمي ليبي يعلق علي تهنئة السفارة الأمريكية للامازيغ‎

الأستاذ محمّد الذويب - بوابة افريقيا الإخبارية
وجه البرفيسور محمد الذويب استاذ الاثار والتاريخ القديم جامعة طرابلس، رسالة إلى السفارة الأمريكية بليبيا، تعليقا على تقديمها التهنئة لأمازيغ ليبيا بمناسبة "السنة الأمازيغية"، وجاء في الرسالة:

"من مواطن ليبي إلى السفارة الأميريكية بطرابلس – ليبيا

يهديكم المواطن الليبي صاحب هذه الصفحة المتواضعة التي تحمل اسمه وصفته أحر التحيّات، ويتمنّى للشعب الأميركي بمكوناته المختلفة عاماً شمسياً سعيداً ويأمل أن يكون هذا العام وما بعده خالياً من التآمر على بلاده .

أمّا بعد ...

فإنني قد طالعتُ بصفحتكم على الفيس بوك تهنئة لأشقائنا الأمازيغ في ليبيا بما يُسمّى السنة الأمازيغية وإنني إذ أُحيّ جميع الليبيين بمكوناتهم المختلفة في بداية السنة الشمسية بحسابها اليولياني القديم (الذي يُسمّى في بعض مناطق ليبيا المؤخَّر أو الغيلاني والتسمية الأخيرة تحريف لليولياني ) أو الجريجوري الحديث قد وجدتُ نفسي مضطرّاً لكتابة هذا المنشور بعد أن ألحّ بعض الأصدقاء على معرفة الحقيقة وفقدتُ الأمل أن تتجشّم ( حكومتا ) بلادي مشقّة الرد على هكذا تصرّف رأيتُ أنه يخالف في شكله العرف الدبلوماسي وفي مضمونه الحقائق العلمية لأنبّهكم وأنبّه بني وطني إلى ما يلي :

أولا : الرأي الإداري .
- لم يسبق لأية حكومة ليبية خلال العهود الماضية بمختلف مراحلها و توجهاتها أن جعلت يوم 12 يناير ضمن جدول الأعياد الوطنية أو الدينية أو حتى الشعبية الأمر الذي يجعلنا نستغرب أن تتبنّى سفارتكم عيداً مُستحدثاً لا يستند واضعوه إلى أي سندٍ علمي تاريخي أو تأريخي في سابقة لم تفعلها مؤسسات حكومتكم – على حد علمنا- منذ إبرام أول معاهدة صداقة بين بلدينا عام 1796م. و آمل أن تهتم ( حكومتا ) ليبيا إذا وصلها هذا المنشور بالرد على هكذا تصرّف بالوسائل الدبلوماسية .

ثانياً : الرأي العلمي .
- كان اسم ليبيا في العصور القديمة يدل على الأرض الممتدة من النيل شرقاً حتى المحيط الأطلسي غرباً لاسيما لدى الجغرافيين الإغريق الذين قسّموا العالم إلى ثلاث قارات ( ليبيا ، آسيا ، أوربا ) ، ثم استعمل الرومان بعدهم اسم أفريقيا لوصف القارة المسمّاة قديماً ليبيا وأطلق جميع المؤرخون و الجغرافيون الكلاسيكيون اسم (الليبيين) على جميع سكان هذه القارة و فصّلت بعض المصادر الفرعونية و اليونانية و لاحقاً اللاتينية في ذكر أسماء القبائل أو الأقوام التي سكنت المنطقة في العصور المتتالية و كان هيرودوت أول من فعل ذلك بوضوح إذ ذكر أسماء أكثر من عشرين قبيلة من بينها Μαξυες (ماكسيس ، و وردت في بعض المصادر مازيس و مازيغ و قرأها المحدثون أمازيغ) و كرّر ذلك كتّاب العهد الروماني و منهم سترابون و بليني الأكبر و بطليموس و لقد سرد الأخير أسماء أكثر من ستين قبيلة و حدّد أماكن سكنها على الخريطة التي وضعها خلال القرن الثاني الميلادي و هي أقدم خرائط جغرافيّة للمنطقة ( تجدون نسخة منها على ميكروفيلم في مكتبة جامعة بنسلفانيا تحت رقم Ambros. D.527) و اتفقت جمـيع المصادر التي ذكرناها أو لم نذكرها على أن ( مازيس أو مازيكيس Μαζικες لدى بطليموس( التي قرأها المحدثون أمازيغ) واحدة من القبائل الليبية و هذا ما يراه أغلب المؤرخون .
- استعمل الإغريق تسمية (بربر) منذ القدم لوصف الأجانب انطلاقاً من عبارتهم المشهورة : كل من هو ليس هيللينياً ( يونانياً ) فهو بربري(Πας μην Ελληνας Βαρβαρος ) و استعمل الرومان لاحقاً التسمية ذاتها لوصف جميع القبائل الليبية القديمة التي كانت تهاجم المستعمرات الرومانية في شمال أفريقيا و استعملت صفة بربري و ليبي في بعض الخرائط القديمة لوصف الجزء الغربي من البحر المتوسط أيضاً فسُمّي البحر البربري أو البحر الليبي. 
- كان و مازال سكان الشمال الأفريقي كياناً متوافقاً لديهم من عوامل الوحدة و الوئام أكثر مما لديهم من بذور الخلاف و الخصام بالرغم مما حاولت فرنسا فعله عندما أحيّت استعمال تسمية (البربر) لوصف سكان بعض الأقاليم المغاربية بعد احتلالهم الجزائر و المغرب و تونس نتيجة للمقاومة الشرسة التي أظهرها مواطني المنطقة كافة و لقد حاولت سلطة الاحتلال ضرب مقومات و عوامل وحدة هذه المقاومة المتمثلة في الدين و الثقافة ، إذ اهتمت بالبحث في تاريخ و آثار الرومان لتأكيد الشرعية التاريخية للاستعمار و شرعت فيما وصفته بـ (علم البربريات) كونه يتصل بالهوية و لقد وضع أساس الدراسات الأولى في هذا المجال عسكريون مثل Daumas و Carette و Carthy أو الذين كانت خلفياتهم عسكرية مثل Berbrygger و Devoult و توسّع نشاطهم بعد تأسيس المجلة الأفريقية 1856م. مما أعطى أبعاداً أخرى في هوية الشمال الأفريقي لم تكن موجودة قبل مجيء الاستعمار لاسيما أن الأبحاث قد خلطت بين المعرفة و الإيديولولجيا عندما سعت سلطة الاحتلال من خلال هذه المجلة و مطبوعات أخرى كانت تصدر في فرنسا و مستعمراتها في ذلك الوقت إلى التأسيس للمسألة العرقية و عزل من أسمتهم (بربر) عن أخوانهم العرب و نسف العلاقة الوطيدة بينهما و ادّعت حينها أنها تعيد الاعتبار للسكان الأصليين بينما كانت في الحقيقة تحاول مد جسور المصالحة مع المستعمر و العناصر التي تقبله من الطرفين .
- تبنّى روّاد هذه الدراسات الإيديولوجية أراء تتعلق بأصول هذه القبيلة/القبائل اعتماداً على معلومات من الأساطير الإغريقية أو بعض رويات المؤرخين الإغريق و الرومان التي لم ترق إلى الصحة أو التأكيد في محاولة من هذه المدرسة الاستعمارية عزل هذه القبائل عن محيطها فقال بعضهم بالأصل الهندو-أوروبي أو من بقايا سكان أطلنتيس أو البلطيق أو أنهم ينحدرون من رجال طرواديين أو من أصل ميدي (فارسي ) أو من شمال بلاد الغال مما يجعلهم أقرب للأوربيين منهم للعرب و حاول بعض الساسة دفعهم لمعاداة العرب الذين وصفتهم المدرسة الاستعمارية الفرنسية بأنهم محتلّين وصلوا مع الفتح الاسلامي و تجاهل مناصرو هذه المدرسة روايات كثير من المؤرخين التي تشير إلى أصول هؤلاء السكان الشرقية و الكنعانية كون هذا الرأي سيعني فشل رأي سلطة الاستعمار.
- بعد عقود عديدة اكتشف مؤسسو الدراسات (البربرية) في باريس و الرباط و نابولي الرسالة و الشحنة السلبية التي يحملها استعمال لفظة( بربر) فلجأ رعاتها إلى استعمال تسمية بديلة و لم يجدوا أفضل من ( أمازيغ) التي كانت في الأصل كما أشرنا أعلاه تدل على احدى القبائل الليبية التي سكنت شمال أفريقيا لاسيما أنها تحمل شحنة إيجابية إذ تعني لدى الطوارق الشريف و المشهور و لدى الأمازيغ الحر و الشريف و لم تستعمل التسمية للإشارة إلى هؤلاء السكان في الدراسات البربرية خلال المائة عام الأولى من الحقبة الاستعمارية سوى مرات محدودة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة مقابل مئات المرات من استعمال تسميات ( بربر ، تبو ، مزاب ، قبايل) و منذ الربع الأخير من القرن العشرين تبنّت مراكز الدراسات البربرية تسمية ( أمازيغ ) بدلا من بربر و بحث روادها في لغة مكتوبة و لم يجدوا سوى لهجة الطوارق بهجائيتها المسمّاة ( تيفيناغ) التي حافظ عليها أصحابها في أعماق الصحراء فلجأ إليها الدارسون و حاولوا تعميمها بعد تعديلها و تناسى هؤلاء أصولها و علاقتها مع اللغات الشرقية لاسيما الكنعانية ( الفينيقية) .
- لم يعرف علماء الآثار و المختصون في التاريخ القديم في العالم أجمع تقويماً يسمّى التقويم الأمازيغي و لم يخبرنا أي مصدر أثري أو أدبي قديم من المصادر الفرعونية أو اليونانية أو اللاتينية عن هذا التقويم المزعوم و لم يذكر أي مرجع من مراجع التأريخ لدى الشعوب القديمة المشهورة مثل Bicherman أن الليبيين القدامى أو من أسمتهم المدرسة الاستعمارية الفرنسية بربر ثم أسمتهم أمازيغ قد استعملوا تقويماً خاصاً بهم و لم يعرف الباحثون هذا الافتراء العلمي قبل ابتداعه 1980م. و ربما يجهل واضعوه أنهم قد استعملوا التقويم اليولياني القديم الذي مازال مستعملا في الكنيسة الأرثودكسية ( القبطية) و كان سكان البادية في ليبيا يستعملون هذا التقويم في حساب فصول السنة الشمسية ، و هكذا يصبح يوم 12 يناير ابتداعاً حديثاً لا نجد له جذوراً في التاريخ القديم للمنطقة أو لسكّانها بمكوناتهم القبلية التي ذكرتها المصادر التاريخية القديمة .
- لقد أوضحتُ لكم و لبني وطني الأعزاء بجميع مكوناتهم رأياً أرى صحته و يقبل الخطأ كونه انسانياً و أبدي استعدادي لمناظرة المختصين الذين يرون غير ذلك و يقدّمون دليلاً أثرياً أو تاريخياً واحداً على وجود هذا النوع من التأريخ .
- إلى حين تفضلكم أو تفضل علماء الآثار و التاريخ القديم في بلادكم و العالم الدليل على صحة الزعم بوجود التقويم الزمني محل النظر ستكون أيام السنة الشمسية كلها أعياداً لجميع الليبيين إذا تخلصوا من التبعية والاستعمار الجديد ."

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق